فصل: مُبْتدِعة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


مُبَاهَلَة

التّعريف

1 - المباهلة في اللغة‏:‏ من باهله مباهلةً لعن كل منهما الآخر، وابتهل إلى اللّه‏:‏ ضرع إليه وبهله بهلاً‏:‏ لعنه ومنه قول أبي بكرٍ رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏ من ولي من أمر النّاس شيئاً فلم يعطهم كتاب اللّه فعليه بهلة اللّه ‏"‏ أي لعنته، وباهل بعضهم بعضاً‏:‏ اجتمعوا فتداعوا فاستنزلوا لعنة اللّه على الظّالم منهم، وفي أثر ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما‏:‏ من شاء باهلته أنّه ليس للأمة ظهار‏.‏

ولا يخرج معناه الاصطلاحي عن معناه اللغويّ‏.‏

الحكم الإجمالي

أ - المباهلة في الفرائض‏:‏

2 - ذكر بعض الفقهاء في باب الفرائض مسألةً سمّيت بالمباهلة وهي‏:‏ زوج وأم وأخت لأبوين أو لأبٍ، حكم فيها سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في زمن خلافته بالعول، بل قيل‏:‏ إنّها أوّل فريضةٍ أعيلت في زمن عمر رضي الله عنه، فخالفه فيها ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما بعد وفاته، وكان ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما صغيراً، فلمّا كبر أظهر الخلاف بعد موت عمر رضي الله عنه، وجعل للزّوج النّصف وللأمّ الثلث وللأخت ما بقي ولا عول حينئذٍ، فقيل له‏:‏ لم لم تقل هذا لعمر ‏؟‏ فقال‏:‏ كان رجلاً مهاباً فهبته، ثمّ قال‏:‏ إنّ الّذي أحصى رمل عالجٍ عدداً لم يجعل في المال نصفاً ونصفاً وثلثاً، ذهب النّصفان بالمال فأين موضع الثلث ‏؟‏ ثمّ قال له علي رضي الله عنه‏:‏ هذا لا يغني عنك شيئاً، لو متَّ أو متُّ لقسم ميراثنا على ما عليه النّاس من خلاف رأيك‏.‏

قال‏:‏ فإن شاءوا فلندع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا ونساءهم وأنفسنا وأنفسهم، ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين، فسمّيت المباهلة لذلك‏.‏

وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ إرث ف 56‏)‏‏.‏

ب - مشروعيّة المباهلة‏:‏

3 - قال ابن عابدين‏:‏ المباهلة بمعنى الملاعنة مشروعة في زماننا وقد وردت المباهلة في الأصل في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ، الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ، فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ‏}‏‏.‏

حيث نزلت هذه الآيات بسبب وفد نجران حين لقوا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسألوه عن عيسى فقالوا‏:‏ كل آدميٍّ له أب، فما شأن عيسى لا أب له ‏؟‏

وروي‏:‏ «أنّه عليه الصّلاة والسّلام لمّا دعا أسقف نجران والعاقب إلى الإسلام قالوا‏:‏ قد كنّا مسلمين قبلك، فقال‏:‏ كذبتما منع الإسلام منكما ثلاث‏:‏ قولكما‏:‏ اتّخذ اللّه ولداً، وسجودكما للصّليب، وأكلكما الخنزير، قالا‏:‏ من أبو عيسى ‏؟‏ فلم يدر ما يقول فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ‏}‏ فدعاهم النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المباهلة، فقال بعضهم لبعض‏:‏ إن فعلتم اضطرم الوادي عليكم ناراً‏.‏‏.‏ فإنّ محمّداً نبي مرسل ولقد تعلمون أنّه جاءكم بالفصل في أمر عيسى، فقالوا‏:‏ أما تعرض علينا سوى هذا ‏؟‏ فقال صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ الإسلام أو الجزية أو الحرب، فأقروا بالجزية وانصرفوا إلى بلادهم على أن يؤدوا في كلّ عامٍ ألف حلّةٍ في صَفَرٍ، وألف حلّةٍ في رجبٍ، فصالحهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على ذلك بدلاً من الإسلام»‏.‏

قال العلماء‏:‏ وفي هذه الآيات دحض لشبه النّصارى في أنّ عيسى إله أو ابن الإله، كما أنّها من أعلام نبوّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لأنّه لمّا دعاهم إلى المباهلة أبوا ورضوا بالجزية بعد أن أعلمهم كبيرهم العاقب‏:‏ أنّهم إن باهلوه اضطرم عليهم الوادي ناراً، ولم يبق نصراني ولا نصرانيّة إلى يوم القيامة، ولولا أنّهم عرفوا يقيناً أنّه نبي ما الّذي كان يمنعهم من المباهلة ‏؟‏ فلمّا أحجموا وامتنعوا عنها دلّ على أنّهم قد كانوا عرفوا صحّة نبوّته صلّى اللّه عليه وسلّم بالدّلائل المعجزات، وبما وجدوا من نعته في كتب الأنبياء المتقدّمين‏.‏

مُبْتدِعة

انظر‏:‏ بدعة‏.‏

مَبتُوتة

انظر‏:‏ طلاق‏.‏

مَبْطُون

التّعريف

1 - المبطون في اللغة‏:‏ هو عليل البطن، من البطَن بفتح الطّاء يقال‏:‏ بطِن - بكسر الطّاء - بطناً إذا أصابه مرض البطن، ويقال بُطِنَ بصيغة البناء للمفعول‏:‏ اعتلّ بطنه فهو مبطون‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ قال النّووي‏:‏ المبطون صاحب داء البطن وهو الإسهال وقيل‏:‏ هو الّذي به الاستسقاء وانتفاخ البطن وقيل‏:‏ هو الّذي يشتكي بطنه وقيل‏:‏ هو الّذي يموت بداء بطنه مطلقاً، أي شاملاً لجميع أمراض البطن، وقال ابن عبد البرّ‏:‏ قيل هو صاحب الإسهال، وقيل‏:‏ إنّه صاحب القولنج والبطين‏:‏ العظيم البطن‏.‏

الحكم الإجمالي

2 - المبطون مريض ومعذور فتجري عليه أحكام المرضى وأصحاب الأعذار‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلحات‏:‏ ‏(‏مرض وتيسير ف 32‏)‏‏.‏

وقد نصّ الفقهاء على عدّ المبطون شهيداً إذا مات في بطنته لقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ «الشهداء خمسة‏:‏ المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشّهيد في سبيل اللّه عزّ وجلّ»‏.‏

وقسّموا الشهداء إلى أقسامٍ ثلاثةٍ‏:‏

الأوّل‏:‏ شهيد الدنيا والآخرة‏.‏

والثّاني‏:‏ شهيد الدنيا‏.‏

والثّالث‏:‏ شهيد الآخرة‏.‏

واتّفقوا على أنّ المبطون من شهداء الآخرة‏.‏

واتّفقوا على تغسيل المبطون مع عدّه شهيداً‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏شهيد ف 3،5 وتغسيل الميّت ف 21‏)‏‏.‏

مُبَلِّغ

انظر‏:‏ تبليغ‏.‏

مَبِيت

انظر‏:‏ مزدلفة، منىً، قسم بين الزّوجات‏.‏

مُتارَكة

التّعريف

1 - المتاركة في اللغة‏:‏ مصدر تارك من التّرك وهو التّخلية والمفارقة، يقال‏:‏ تتاركوا الأمر بينهم أي تركه كل منهم، وتاركه البيع متاركةً إذا خلاه كل منهم‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ لم يعرّف الفقهاء المتاركة تعريفاً واضحاً، ولم يستعمل جمهور الفقهاء لفظ المتاركة بل استعاضوا عنه بلفظ الفسخ، ولكن الحنفيّة استعملوا لفظ المتاركة في بعض العقود الفاسدة بمعناه اللغويّ في الجملة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الإبطال‏:‏

2 - الإبطال لغةً‏:‏ إفساد الشّيء وإزالته، حقاً كان ذلك الشّيء أو باطلاً‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو الحكم على الشّيء بالبطلان، سواء وجد صحيحاً ثمّ طرأ عليه سبب البطلان، أو وجد وجوداً حسّياً لا شرعياً، ويستعمله الفقهاء بمعنى الفسخ والإفساد والإزالة والنّقض والإسقاط مع اختلافٍ في بعض الوجوه‏.‏

ركن المتاركة

3 - قال الحنفيّة‏:‏ الأصل في المتاركة أن تكون باللّفظ المعبّر به عنها من المتعاقدين كتركت وفسخت ونقضت وتصح بلفظ الطّلاق في النّكاح الفاسد ولا ينقص بها عدد الطّلقات على الزّوج‏.‏

ويحل محلّ اللّفظ في أغلب الأحوال الفعل المعبّر به عنها، مثل ردّ المشتري المبيع بيعاً فاسداً على بائعه بهبةٍ أو صدقةٍ، أو بيعٍ أو بوجهٍ من الوجوه، كإعارةٍ وإجارةٍ فإنّ ذلك كلّه متاركة للبيع فتصح ويبرأ المشتري من ضمانه‏.‏

هذا في المعاوضات عامّةً‏.‏

وهل يكون ذلك في النّكاح أيضاً ‏؟‏‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ إنّ الحنفيّة صرّحوا بأنّ المتاركة في النّكاح الفاسد لا تتحقّق بعد الدخول إلا بالقول كتركتك وخلّيت سبيلك، وأمّا غير المدخول بها فقيل‏:‏ تكون المتاركة بالقول أو بالتّرك على قصد عدم العود إليها، وقيل‏:‏ لا تكون إلا بالقول كحال ما بعد الدخول، حتّى لو تركها ومضى على عدّتها سنون لم يكن لها أن تتزوّج بآخر، هذا إذا تركها مع العزم على عدم العود إليها ن فإذا تركها من غير عزمٍ على ذلك لم تكن متاركةً عند الحنفيّة، وخالف زفر في ذلك وعدّها متاركةً أيضاً، وأوجب عليها العدّة من تاريخ آخر لقاءٍ له بها‏.‏

ما يترتّب على المتاركة من أحكامٍ

4 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ كلّ مبيعٍ ببيعٍ فاسدٍ ردّه المشتري على بائعه بهبةٍ أو صدقةٍ أو بيعٍ أو بوجهٍ من الوجوه‏:‏ كإعارةٍ وإجارةٍ، ووقع في يد بائعه فهو متاركة للبيع، وبرئ المشتري من ضمانه‏.‏

وقالوا‏:‏ يثبت لكلّ واحدٍ من الزّوجين في النّكاح الفاسد فسخه ولو بغير محضرٍ من صاحبه، دخل بها أو لا في الأصحّ خروجاً عن المعصية، فلا ينافي وجوبه بل يجب على القاضي التّفريق بينهما، وتجب العدّة بعد الوطء لا الخلوة للطّلاق لا للموت، من وقت التّفريق أو متاركة الزّوج وإن لم تعلم المرأة بالمتاركة في الأصحّ‏.‏

وإذا تمّت المتاركة بين المتعاقدين، وتحقّق ركنها انقضت كل آثار العقد الّذي وردت عليه لانتقاضه بها، ووجب رد المتعاقدين بعدها إلى الحالة الّتي كانا عليها قبل التّعاقد ما أمكن، فيترادّ المتعاقدان البدلين، ويتفرّق الزّوجان ويكون كل لقاءٍ لهما بعده حراماً وزناً يوجب الحدّ‏.‏

فإذا تعذّر ذلك، كما لو هلك المبيع بعد القبض في البيع الفاسد، أو ولدت المرأة بعد الدخول في النّكاح الفاسد، ثمّ تمّت المتاركة وجب على المشتري رد قيمة المبيع بالغًا ما بلغ لتعذر ردّ عينه، كما وجب على الزّوجين التّفرق إثر المتاركة مع ثبوت نسب الولد، وكذلك إثبات المهر، ووجوب العدّة، وذلك كله حفظاً لحقّ الشّرع في المهر والعدّة، وحقّ الولد في النّسب، وهي من الحقوق الّتي لا تقبل الإلغاء‏.‏

مَتَاع

التّعريف

1 - المتاع في اللغة‏:‏ اسم لكلّ شيءٍ ينتفع به، فيتناول‏:‏ متعة الحجّ، ومتعة الطّلاق، وما يستمتع به الإنسان في حوائجه ممّا يلبسه ويفرشه والستور والمرافق كلها‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ كل ما ينتفع به من عروض الدنيا قليلها وكثيرها‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالمتاع

متاع البيت

2 - عبّر بعض الفقهاء عمّا يجب على الزّوج توفيره لزوجته بمتاع البيت وعدّد الآخرون ما يجب على الزّوج لزوجته في البيت، وسمّوه آلاتٍ أو أدواتٍ للنّوم أو للطّبخ وغيرها، وقالوا‏:‏ إنّه يجب للزّوجة على زوجها آلات أكلٍ وشربٍ وطبخٍ، ولها أيضاً مسكن يليق بها إلى غير ذلك من النّفقة الواجبة للزّوجة على زوجها‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏نفقة‏)‏‏.‏

التّنازع على ملكيّة المتاع

3 - القاعدة عند الفقهاء‏:‏ أنّ وضع اليد على الشّيء من أسباب التّرجيح في دعوى الملكيّة، إن لم يوجد حجّة أقوى منها كالبيّنة، فيقضى لصاحب اليد بيمينه باتّفاق الفقهاء‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تنازع الأيدي ف 2‏)‏‏.‏

وإذا كان الشّيء في يدهما ولم يكن لأحدهما بيّنة يحلف كل منهما للآخر فيجعل بينهما‏.‏

وإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين فالمدّعى به للحالف، هذا إذا لم يكن لأحدهما ما يصلح للتّرجيح في عرفٍ أو ظاهر حالٍ فيقضى له به بيمينه‏.‏

وعلى ذلك إذا اختلف الزّوجان في متاع بيت الزّوجيّة أو بعضه، فادّعى كل منهما أنّه ملكه أو شريك فيه، ولم توجد بيّنة يحكم لكلٍّ منهما بما يليق به في العرف، نظراً إلى الظّاهر المستفاد من العادة‏.‏

فإذا تنازعا فيما يصلح للرّجال‏:‏ كالعمامة والسّيف وقمصان الرّجال وأقبيتهم والسّلاح وأشباهها فهي للزّوج‏,‏ وإن نازعها الزّوج فيما يختص بالنّساء كالمكحلة والمقانع فهو للزّوجة، استناداً إلى الظّاهر المستفاد من العادة‏.‏

أمّا إذا تنازعا فيما يصلح لهما فقد اختلف الفقهاء فيه‏:‏

فقال الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ إنّه للرّجل لأنّ القول في الدّعاوى لصاحب اليد بخلاف ما يختص بها لأنّه يعارضه ظاهر أقوى منه‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إنّه بينهما إذا كان ممّا يصلح لهما‏.‏

وإذا اختلف أحدهما وورثة الآخر فما يصلح لأحدهما فهو كاختلافهما، فما كان خاصّاً بالرّجال فهو للرّجل أو لورثته، وما يصلح للنّساء فهو لها أو لورثتها‏.‏

أمّا ما يصلح لهما فقد اختلف الفقهاء‏:‏

فقال الحنفيّة‏:‏ هو للحيّ منهما لأنّه لا يد للميّت‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ هو بين الحيّ وبين ورثة الميّت منهما‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إنّ تنازع الزّوجين في متاع البيت كتنازع أجنبيّين في شيءٍ بيدهما‏:‏ فيتحالفان فيجعل بينهما إن حلفا وإن نكل أحدهما فهو للحالف، ولا فرق عندهم بين ما يصلح لأحدهما وما يصلح لهما، وما لا يصلح لواحدٍ منهما‏.‏

فإذا نازعها على مقانعها، أو نازعته على العمامة وقمصان الرّجال والسّلاح، فإنّهما يتحالفان إن لم تكن بيّنة، وكذا إن تنازعا ما لا يصلح لواحدٍ منهما ككتب الفقه وهما غير فقيهين ومصحفٍ وهما أمّيّان‏.‏

ولا فرق في الأحكام السّابقة بين مفارقةٍ ومن في عصمة الزّوج‏.‏

اختلاف زوجات رجلٍ في متاع البيت

4 - إذا تنازعت زوجات الرّجل في متاع البيت، فإن كنّ في بيتٍ واحدٍ فإنّ المتاع الخاصّ بالنّساء يكون بينهنّ على السّواء، وإن كانت كل واحدةٍ منهنّ في بيتٍ على حدةٍ فما في بيت كلّ امرأةٍ هو بينها وبين زوجها، أو بينها وبين ورثته على ما سبق ذكره‏.‏

تخلية العقار المبيع من متاع غير المشتري

5 - يشترط في قبض غير المنقول تخليته لمشترٍ وتفريغه من متاع غيره‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏قبض ف 6‏)‏‏.‏

إلقاء المتاع لخوف غرق نفسٍ أو حيوانٍ محترمٍ

6 - إذا أشرفت سفينة بها متاع وراكب على غرقٍ وخيف غرقها، جاز إلقاء متاعها في البحر رجاء سلامتها، ويجب إلقاء المتاع لرجاء نجاة الرّاكب المحترم‏.‏

وكذلك يجب إلقاء الحيوان المحترم لنجاة الآدميّ المحترم‏.‏

فإن ألقى متاع غيره بلا إذنٍ منه ضمنه، وإن ألقاه بإذنه فلا ضمان، ولو قال شخص‏:‏ ألق متاعك في البحر وعليّ ضمانه، أو قال‏:‏ على أنّي ضامن ضمن‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏ضمان ف 145 سفينة ف 10‏)‏‏.‏

سرقة متاع المسجد

7 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يقام حد السّرقة على من سرق ما أعدّ لانتفاع النّاس به من متاع المسجد، كالحصر والبسط وقناديل الإضاءة ولو كانت محرزةً بحافظٍ، لأنّ حقّ السّارق في الانتفاع بها يعتبر شبهةً تدرأ عنه الحدّ‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏سرقة ف 38 - 40‏)‏‏.‏

مُتَّهَم

التّعريف

1 - المتّهم لغةً‏:‏ من وقعت عليه التهمة، والتهمة هي‏:‏ الشّك والرّيبة، واتّهمته‏:‏ ظننت به سوءاً فهو تهيم، واتّهم الرّجل اتّهاماً‏:‏ أتى بما يتّهم عليه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

المدّعى عليه‏:‏

2 - المدّعى عليه‏:‏ هو من يدفع عن نفسه دعوى دينٍ أو عينٍ أو حقٍّ، والمدّعي‏:‏ هو من يلتمس لنفسه ذلك قبل المدّعى عليه‏.‏

والصّلة بين المتّهم وبين المدّعى عليه عموم وخصوص مطلق‏.‏

ما يتعلّق بالمتّهم من أحكامٍ

تتعلّق بالمتّهم أحكام مختلفة منها‏:‏

المتّهم بالكذب في حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم

3 - عدّ الحافظ العراقي المتّهم بالكذب في المرتبة الثّانية بعد الكذّاب من مراتب ألفاظ التّجريح عند المحدّثين‏.‏

وقال ابن أبي حاتمٍ‏:‏ تجوز رواية حديث من كثرت غفلته في غير الأحكام، وأمّا رواية أهل التهمة بالكذب فلا تجوز إلا مع بيان حالهم‏.‏

والّذي يتبيّن من عمل الإمام أحمد وكلامه أنّه يترك الرّواية عن المتّهمين والّذين غلب عليهم كثرة الخطأ للغفلة وسوء الحفظ‏.‏

وذكر الحافظ العراقي أنّ المتّهم بالفسق المبتدع الّذي لم يكفر ببدعته إذا كان داعيةً إلى بدعته لم تقبل روايته، وإن لم يكن داعيةً قبل، وإليه ذهب أحمد كما قال الخطيب، وقال ابن الصّلاح‏:‏ وهذا مذهب الكثير أو الأكثر وهو أعدلها وأولاها‏.‏

المتّهم في الجرائم

4 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الحدود لا تقام على المتّهم بالتهمة‏.‏

أمّا التّعزير بالتهمة فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ للقاضي تعزير المتّهم إذا قامت قرينة على أنّه ارتكب محظوراً ولم يكتمل نصاب الحجّة، أو استفاض عنه أنّه يعيث في الأرض فساداً، وقالوا‏:‏ إنّ المتّهم بذلك إن كان معروفاً بالبرّ والتّقوى فلا يجوز تعزيره بل يعزّر متّهمه، وإن كان مجهول الحال فيحبس حتّى ينكشف أمره، وإن كان معروفاً بالفجور فيعزّر بالضّرب حتّى يقرّ أو بالحبس، وقالوا‏:‏ وهو الّذي يسع النّاس وعليه العمل‏.‏

‏(‏ر‏:‏ تهمة ف 14‏)‏‏.‏

وقال الماورديّ‏:‏ الجرائم محظورات شرعيّة زجر اللّه تعالى عنها بحدٍّ أو تعزيرٍ، ولها عند التهمة حال استبراءٍ تقتضيه السّياسة الدّينيّة، ولها عند ثبوتها وصحّتها حال استيفاءٍ توجبه الأحكام الشّرعيّة‏.‏

فأمّا حالها بعد التهمة وقبل ثبوتها وصحّتها فمعتبر بحال النّظر فيها، فإن كان حاكماً رفع إليه رجل قد اتهم بسرقةٍ أو زنا لم يكن لتهمةٍ بها تأثير عنده، ولم يجز أن يحبسه لكشفٍ ولا استبراءٍ، ولا أن يأخذه بأسباب الإقرار إجباراً، ولم يسمع الدّعوى عليه في السّرقة إلا من خصمٍ مستحقٍّ لما قرف، وراعى ما يبدو من إقرار المتهوم أو إنكاره، إن اتهم بالزّنا لم يسمع الدّعوى عليه إلا بعد أن يذكر المرأة الّتي زنى بها، ويصف ما فعله بها بما يكون زناً موجباً للحدّ، فإن أقرّ حدّه بموجب إقراره، وإن أنكر وكانت بيّنةً سمعها عليه، وإن لم تكن أحلفه في حقوق الآدميّين دون حقوق اللّه تعالى، إذا طلب الخصم اليمين‏.‏

وإن كان النّاظر الّذي رفع إليه هذا المتهوم أميراً كان له مع هذا المتهوم من أسباب الكشف والاستبراء ما ليس للقضاة والحكّام وذلك من تسعة أوجهٍ‏:‏

أحدها‏:‏ أنّه لا يجوز للأمير أن يسمع قرف المتهوم من أعوان الإمارة من غير تحقيقٍ للدّعوى المقرّرة، ويرجع إلى قولهم في الإخبار عن حال المتهوم وهل هو من أهل الرّيب ‏؟‏ وهل هو معروف بمثل ما قرف به أم لا ‏؟‏ فإن برّءوه من مثل ذلك خفّت التهمة ووضعت، وعجّل إطلاقه ولم يغلظ عليه، وإن قرّفوه بأمثاله وعرّفوه بأشباهه غلظت التهمة وقويت، واستعمل فيها من حال الكشف ما يناسبه وليس هذا للقضاة‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّ للأمير أن يراعي شواهد الحال وأوصاف المتهوم في قوّة التهمة وضعفها، فإن كانت التهمة زناً وكان المتهوم مطيعاً للنّساء ذا فكاهةٍ وخلابةٍ قويت التهمة، وإن كان بضدّه ضعفت، وإن كانت التهمة بسرقةٍ وكان المتهوم بها ذا عيارةٍ أو في بدنه آثار لضربٍ أو كان معه حين أخذ منقّب قويت التهمة، وإن كان بضدّه ضعفت وليس هذا للقضاة أيضاً‏.‏

الثّالث‏:‏ أنّ للأمير أن يعجّل حبس المتهوم للكشف والاستبراء، واختلف في مدّة حبسه لذلك، فذكر عبد اللّه الزبيري من أصحاب الشّافعيّ أنّ حبسه للاستبراء والكشف مقدّر بشهرٍ واحدٍ لا يتجاوزه، وقال غيره‏:‏ بل ليس بمقدّرٍ وهو موقوف على رأي الإمام واجتهاده وهذا أشبه، وليس للقضاة أن يحبسوا أحداً إلا بحقٍّ وجب‏.‏

الرّابع‏:‏ أنّه يجوز للأمير مع قوّة التهمة أن يضرب المتهوم ضرب التّعزير لا ضرب الحدّ ليأخذ بالصّدق عن حاله فيما قرف به واتهم، فإن أقرّ وهو مضروب اعتبرت حاله فيما ضرب عليه، فإن ضرب ليقرّ لم يكن لإقراره تحت الضّرب حكم، وإن ضرب ليصدق عن حاله وأقرّ تحت الضّرب، قطع ضربه واستعيد إقراره، فإذا أعاده كان مأخوذاً بالإقرار الثّاني دون الأوّل، فإن اقتصر على الإقرار الأوّل ولم يستعده لم يضيّق عليه أن يعمل بالإقرار الأوّل وإن كرهناه‏.‏

الخامس‏:‏ أنّه يجوز للأمير فيمن تكرّرت منه الجرائم ولم ينزجر عنها بالحدود أن يستديم حبسه إذا استضرّ النّاس بجرائمه حتّى يموت‏,‏ بعد أن يقوم بقوته وكسوته من بيت المال‏,‏ ليدفع ضرره عن النّاس‏,‏ وإن لم يكن ذلك للقضاة‏.‏

السّادس‏:‏ أنّه يجوز للأمير إحلاف المتهوم استبراءً لحاله‏,‏ وتغليظاً عليه في الكشف عن أمره في التهمة بحقوق اللّه تعالى وحقوق الآدميّين‏,‏ ولا يضيّق عليه أن يجعله بالطّلاق والعتاق‏,‏ وليس للقضاة إحلاف أحدٍ على غير حقٍّ‏,‏ ولا أن يجاوزوا الأيمان باللّه إلى الطّلاق أو العتق‏.‏

السّابع‏:‏ أنّ للأمير أن يأخذ أهل الجرائم بالتّوبة إجباراً ويظهر من الوعيد عليهم ما يقودهم إليها طوعاً‏,‏ ولا يضيّق عليهم الوعيد بالقتل فيما لا يجب فيه القتل‏,‏ لأنّه وعيد إرهابٍ يخرج عن حدّ الكذب إلى حيّز التّعزير والأدب‏,‏ ولا يجوز أن يحقّق وعيده بالقتل فيقتل فيما لا يجب فيه القتل‏.‏

الثّامن‏:‏ أنّه يجوز للأمير أن يسمع شهادات أهل المهن ومن لا يجوز أن يسمع منه القضاة إذا كثر عددهم‏.‏

التّاسع‏:‏ أنّ للأمير النّظر في المواثبات وإن لم توجد غرماً ولا حداً، فإن لم يكن بواحد منهما أثر سمع قول من سبق بالدّعوى‏,‏ وإن كان بأحدهما أثر فقد ذهب بعضهم إلى أنّه يبدأ بسماع دعوى من به الأثر ولا يراعى السّبق‏,‏ والّذي عليه أكثر الفقهاء أنّه يسمع قول أسبقهما بالدّعوى‏,‏ ويكون المبتدئ بالمواثبة أعظمهما جرماً وأغلظهما تأديباً‏,‏ ويجوز أن يخالف بينهما في التّأديب من وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ بحساب اختلافهما في الاقتراف والتّعدّي‏,‏ والثّاني‏:‏ بحسب اختلافهما في الهيبة والتّصاون‏.‏

وإذا رأى من الصّلاح في ردع السّفلة أن يشهّرهم‏,‏ وينادي عليهم بجرائمهم‏,‏ ساغ له ذلك‏.‏

فهذه أوجه يقع بها الفرق في الجرائم بين نظر الأمراء والقضاة في حال الاستبراء وقبل ثبوت الحدّ لاختصاص الأمير بالسّياسة واختصاص القضاة بالأحكام‏.‏

5 - وقال ابن القيّم‏:‏ دعاوى التهم وهي دعوى الجناية والأفعال المحرّمة كدعوى القتل وقطع الطّريق والسّرقة والقذف والعدوان ينقسم المدّعى عليه فيها إلى ثلاثة أقسامٍ‏:‏

فإنّ المتّهم إمّا أن يكون بريئاً ليس من أهل تلك التهمة‏,‏ أو فاجراً من أهلها‏,‏ أو مجهول الحال لا يعرف الوالي والحاكم حاله‏.‏

فإن كان بريئاً لم تجز عقوبته اتّفاقاً‏.‏

واختلفوا في عقوبة المتّهم له على قولين‏:‏

أصحهما يعاقب صيانةً لتسلط أهل الشّرّ والعدوان على أعراض الأبرياء‏.‏

القسم الثّاني‏:‏ أن يكون المتّهم مجهول الحال لا يعرف ببرّ ولا فجورٍ‏,‏ فهذا يحبس حتّى ينكشف حاله عند عامّة علماء الإسلام‏,‏ والمنصوص عليه عند أكثر الأئمّة أنّه يحبسه القاضي والوالي‏,‏ وقال أحمد‏:‏ قد حبس النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم في تهمةٍ‏,‏ قال أحمد‏:‏ وذلك حتّى يتبيّن للحاكم أمره‏,‏ وقد ورد من حديث بهز بن حكيمٍ عن أبيه عن جدّه‏:‏ «أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حبس في تهمةٍ»‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ الحبس في التهم إنّما هو لوالي الحرب دون القاضي‏.‏

واختلفوا في مقدار الحبس في التهمة هل هو مقدّر أو مرجعه إلى اجتهاد الوالي والحاكم على قولين‏:‏ ذكرهما الماورديّ وأبو يعلى وغيرهما فقال الزبيري‏:‏ هو مقدّر بشهر‏,‏ وقال الماورديّ‏:‏ غير مقدّرٍ‏.‏

القسم الثّالث‏:‏ أن يكون المتّهم معروفاً بالفجور كالسّرقة وقطع الطّريق والقتل ونحو ذلك‏,‏ فإذا جاز حبس المجهول فحبس هذا أولى‏,‏ قال ابن تيميّة‏:‏ وما علمت أحداً من الأئمّة يقول إنّ المدّعى عليه في جميع هذه الدّعاوى يحلف ويرسل بلا حبسٍ ولا غيره فليس هذا على إطلاقه مذهباً لأحد من الأئمّة الأربعة ولا غيرهم من الأئمّة‏.‏

ويسوغ ضرب هذا النّوع من المتّهمين كما أمر النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم الزبير بتعذيب المتّهم الّذي غيّب ماله حتّى أقرّ به في قصّة كنانة بن الرّبيع بن أبي الحقيق‏,‏ قال ابن تيميّة‏:‏ واختلفوا فيه هل الّذي يضربه الوالي دون القاضي أو كلاهما أو لا يسوغ ضربه على ثلاثة أقوالٍ‏:‏

أحدها‏:‏ أنّه يضربه الوالي والقاضي‏,‏ وهو قول طائفةٍ من أصحاب أحمد وغيرهم‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّه يضربه الوالي دون القاضي وهذا قول بعض أصحاب أحمد‏.‏

والقول الثّالث‏:‏ لا يضرب‏,‏ ثمّ قالت طائفة‏:‏ إنّه يحبس حتّى يموت‏,‏ ونصّ عليه أحمد في المبتدع الّذي لم ينته عن بدعته أنّه يحبس حتّى يموت‏.‏

المتّهم في القسامة

6 - اختلف الفقهاء في كيفيّة القسامة فمنهم من قال‏:‏ إنّ الأيمان توجّه إلى المدّعين‏,‏ فإن نكلوا عنها وجّهت الأيمان إلى المتّهمين‏,‏ ومنهم من قال‏:‏ توجّه تلك الأيمان إلى المتّهمين ابتداءً‏,‏ فإن حلفوا لزم أهل المحلّة الدّية‏.‏

وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏قسامة ف 17‏)‏‏.‏

تحليف المتّهم في الأمانات

7 - يحلف المودع والوكيل والمضارب وكل من يصدّق قوله على تلف ما أؤتمن عليه إذا قامت قرينة على خيانته كخفاء سبب التّلف ونحوه‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏تهمة ف 15‏)‏‏.‏

وإذا ادّعى المودع أنّه ردّ الوديعة فقد قال ابن يونس من المالكيّة‏:‏ يفرّق بين دعوى الرّدّ ودعوى الضّياع‏,‏ إذ أنّ ربّ الوديعة في دعوى الرّدّ يدّعي يقيناً أنّ المودع كاذب‏,‏ فيحلف‏,‏ سواء أكان متّهماً أم غير متّهمٍ‏,‏ وفي دعوى الضّياع لا علم لربّ الوديعة بحقيقة دعوى الضّياع‏,‏ وإنّما هو معلوم من جهة المودع فلا يحلف إلا أن يكون متّهماً‏.‏

وقال ابن رشدٍ‏:‏ الأظهر أن تلحق اليمين إذا قويت التهمة‏,‏ وتسقط إذا ضعفت‏.‏

وقال مالك‏:‏ إن كان المودع محلّ تهمةٍ فوجّهت إليه اليمين ونكل عنها ضمن ولا ترد اليمين هنا‏.‏

وصفة يمين المتّهم أن يقول‏:‏ لقد ضاع وما فرّطت‏,‏ وغير المتّهم ما فرّطت إلا أن يظهر كذبه‏.‏

رد شهادة المتّهم

8 - اتّفق الفقهاء في الجملة على ردّ شهادة المتّهم إذا كان متّهماً بالمحبّة والإيثار أو بالعداوة أو بالغفلة والغلط‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تهمة ف 8 - 10‏,‏ شهادة ف 26‏)‏‏.‏

الشّك ينتفع به المتّهم

9 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الحدود تدرأ بالشبهات‏,‏ والأصل في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم‏:‏ «ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم‏,‏ فإن كان له مخرج فخلوا سبيله‏,‏ فإنّ الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة»‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏شك ف 38‏)‏‏.‏

رجوع المتّهم في إقراره

10 - إذا أقرّ المتّهم بحقّ من الحقوق الّتي عليه ثمّ رجع عن إقراره‏,‏ فإن كان الإقرار بحقّ من حقوق اللّه تعالى الّتي تسقط بالشبهة كالحدود‏,‏ فالجمهور على أنّ الحدّ يسقط بالرجوع‏,‏ وذهب الحسن وسعيد بن جبيرٍ وابن أبي ليلى إلى أنّه يحد ولا يقبل رجوعه‏.‏

أمّا إذا أقرّ بحقوق العباد‏,‏ أو بحقّ من حقوق اللّه تعالى الّتي لا تسقط بالشبهة كالقصاص وحدّ القذف والزّكاة‏,‏ ثمّ رجع في إقراره فإنّه لا يقبل رجوعه عنها من غير خلافٍ‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إقرار ف 59 - 60‏)‏‏.‏

صحّة إقرار المتّهم

11 - يشترط في المقرّ عامّةً شروط منها‏:‏ عدم التهمة‏,‏ بمعنى أنّه يشترط في المقرّ لصحّة إقراره‏:‏ أن يكون غير متّهمٍ في إقراره، لأنّ التهمة تخل برجحان الصّدق على جانب الكذب في الإقرار‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إقرار ف 22 وما بعدها‏)‏‏.‏

مُتَحَيِّرَة

التّعريف

1 - المتحيّرة في اللغة‏:‏ مشتق من مادّة حير‏,‏ والتّحير‏:‏ التّردد‏,‏ وتحيّر الماء‏:‏ اجتمع ودار‏,‏ وتحيّر الرّجل‏:‏ إذا ضلّ فلم يهتد لسبيله‏,‏ وتحيّر السّحاب‏:‏ لم يتّجه جهةً‏,‏ واستحار المكان بالماء وتحيّر‏:‏ تملأ‏.‏

والمتحيّرة في الاصطلاح‏:‏

قال الحنفيّة‏:‏ هي من نسيت عادتها وتسمّى المضلّة والضّالّة‏.‏

وقال النّووي‏:‏ ولا يطلق اسم المتحيّرة إلا على من نسيت عادتها قدراً ووقتاً ولا تمييز لها‏,‏ وأمّا من نسيت عدداً لا وقتاً وعكسها فلا يسمّيها الأصحاب متحيّرةً‏,‏ وسمّاها الغزالي متحيّرةً‏,‏ والأوّل هو المعروف‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ المتحيّرة هي من نسيت عادتها ولم يكن لها تمييز‏.‏

وسمّيت المرأة في هذه الحالة متحيّرةً لتحيرها في أمرها وحيضها‏,‏ وتسمّى أيضاً المحيِّرة - بكسر الياء المشدّدة - لأنّها حيّرت الفقيه في أمرها‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المستحاضة‏:‏

2 - المستحاضة‏:‏ من يسيل دمها ولا يرقأ‏,‏ في غير أيّامٍ معلومةٍ‏,‏ لا من عرق الحيض بل من عرقٍ يقال له‏:‏ العاذل‏.‏

والمستحاضة أعم من المتحيّرة‏.‏

ب - المبتدأة‏:‏

3 - المبتدأة من كانت في أوّل حيضٍ أو نفاسٍ‏.‏

والصّلة بين المتحيّرة والمبتدأة أنّ المبتدأة قد تكون متحيّرةً‏.‏

ج - المعتادة‏:‏

4 - المعتادة‏:‏ من سبق منها من حين بلوغها دم وطهر صحيحان‏,‏ أو أحدهما بأن رأت دماً صحيحاً وطهراً فاسداً‏.‏

أنواع المتحيّرة

5 - الأصل أنّ المتحيّرة هي المعتادة النّاسية لعادتها - كما مرّ آنفاً في تعريف الفقهاء للمتحيّرة - لكن الشّافعيّة أطلقوا على المبتدأة إذا لم تعرف وقت ابتداء دمها متحيّرةً أيضاً‏.‏ قال النّووي‏:‏ اعلم أنّ حكم المتحيّرة لا يختص بالنّاسية بل المبتدأة إذا لم تعرف وقت ابتداء دمها كانت متحيّرةً وجرى عليها أحكامها‏.‏

والتّحير كما يقع في الحيض يقع في النّفاس أيضاً فيطلق على النّاسية لعادتها في النّفاس‏:‏ متحيّرةً‏.‏

أوّلاً‏:‏ المتحيّرة في الحيض

6 - الأصل أنّه يجب على كلّ امرأةٍ حفظ عادتها في الحيض والطهر عدداً ومكاناً‏,‏ ككونه خمسةً مثلاً من أوّل الشّهر أو آخره مثلاً‏.‏

فإذا نسيت عادتها فإنّها لا تخلو من ثلاثة أحوالٍ‏:‏

لأنّها إمّا أن تكون ناسيةً للعدد‏,‏ أي عدد أيّامها في الحيض مع علمها بمكانها من الشّهر أنّها في أوّله أو آخره مثلاً‏,‏ أو ناسيةً للمكان أي مكانها من الشّهر على التّعيين مع علمها عدد أيّام حيضها‏,‏ أو ناسيةً للعدد والمكان‏,‏ أي بأن لم تعلم عدد أيّامها ولا مكانها من الشّهر‏,‏ هذا ما نصّ عليه جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - ويعبّر الشّافعيّة عن العدد بالقدر‏,‏ وعن المكان بالوقت‏,‏ كما يعبّر الحنابلة عن المكان بالموضع‏.‏ ويسمّي الحنفيّة حالة النّسيان في العدد والمكان إضلالاً عاماً‏,‏ وحالة النّسيان في العدد فقط أو المكان فقط إضلالاً خاصّاً‏.‏

الإضلال الخاص‏:‏

أ - النّاسية للعدد فقط ‏"‏ الإضلال بالعدد ‏"‏‏:‏

7 - اختلف الفقهاء في حكم المتحيّرة النّاسية للعدد فقط‏,‏ فالأصل عند الحنفيّة أنّ المتحيّرة بأنواعها تتحرّى‏,‏ فإن وقع تحرّيها على طهرٍ تعطى حكم الطّاهرات‏,‏ وإن كان على حيضٍ تعطى حكمه‏,‏ لأنّ الظّنّ من الأدلّة الشّرعيّة‏,‏ فإن لم يغلب ظنها على شيءٍ فعليها الأخذ بالأحوط في الأحكام‏.‏

ويختلف حكم المضلّة بالعدد باختلاف علمها بالمكان‏,‏ فإن علمت أنّها تطهر آخر الشّهر فإنّها تصلّي إلى عشرين في طهرٍ بيقين ويأتيها زوجها‏,‏ لأنّ الحيض لا يزيد على عشرةٍ‏,‏ ثمّ في سبعةٍ بعد العشرين تصلّي بالوضوء - أيضاً - لوقت كلّ صلاةٍ للشّكّ في الدخول في الحيض‏,‏ حيث إنّها في كلّ يومٍ من هذه السّبعة متردّدة بين الطهر والدخول في الحيض‏,‏ لاحتمال أنّ حيضها الثّلاثة الباقية فقط أو شيء ممّا قبلها أو جميع العشرة‏,‏ وتترك الصّلاة في الثّلاثة الأخيرة للتّيقن بالحيض‏,‏ ثمّ تغتسل في آخر الشّهر غسلاً واحداً‏,‏ لأنّ وقت الخروج من الحيض معلوم لها‏,‏ وإن علمت أنّها ترى الدّم إذا جاوز العشرين - أي أنّ أوّل حيضها اليوم الحادي والعشرون - فإنّها تدع الصّلاة ثلاثةً بعد العشرين‏,‏ لأنّ الحيض لا يكون أقلّ من ثلاثةٍ‏,‏ ثمّ تصلّي بالغسل إلى آخر الشّهر لتوهم الخروج من الحيض‏,‏ وتعيد صوم هذه العشرة في عشرةٍ أخرى من شهرٍ آخر‏,‏ وعلى هذا يخرج سائر المسائل‏.‏

وقال المالكيّة في المتحيّرة‏:‏ سئل ابن القاسم عمّن حاضت في شهرٍ عشرة أيّامٍ‏,‏ وفي آخر ستّة أيّامٍ‏,‏ وفي آخر ثمانية أيّامٍ ثمّ استحيضت كم تجعل عادتها ‏؟‏ قال‏:‏ لا أحفظ عنه في ذلك شيئاً‏,‏ ولكنّها تستظهر على أكثر أيّامها‏,‏ قال صاحب الطّرّاز‏:‏ قال ابن حبيبٍ تستظهر على أقلّ أيّامها إن كانت هي الأخيرة لأنّها المستقرّة‏,‏ ويقول ابن القاسم لعلّ عادتها الأولى عادت إليها بسبب زوال سدٍّ من المجاري‏,‏ وقول مالكٍ الأوّل إنّها تمكث خمسة عشر يوماً‏,‏ لأنّ العادة قد تنتقل‏.‏

ووضع الشّافعيّة قاعدةً للمتحيّرة النّاسية للعدد والمتحيّرة النّاسية للمكان‏,‏ فقرّروا أنّ المتحيّرة إن حفظت شيئاً من عادتها ونسيت شيئاً كأن ذكرت الوقت دون القدر أو العكس‏,‏ فلليقين من الحيض والطهر حكمه‏,‏ وهي في الزّمن المحتمل للطهر والحيض كحائض في الوطء ونحوه‏,‏ وطاهرٍ في العبادات - وسيأتي تفصيل ذلك - وإن احتمل انقطاعاً وجب الغسل لكلّ فرضٍ للاحتياط‏,‏ وإن لم يحتمله وجب الوضوء فقط‏.‏

مثال الحافظة للوقت دون القدر كأن تقول‏:‏ كان حيضي يبتدئ أوّل الشّهر‏,‏ فيوم وليلة منه حيض بيقين‏,‏ لأنّه أقل الحيض‏,‏ ونصفه الثّاني طهر بيقين‏,‏ لأنّ أكثر الحيض خمسة عشر‏,‏ وما بين ذلك يحتمل الحيض والطهر والانقطاع‏.‏

ومثال الحافظة للقدر دون الوقت كأن تقول‏:‏ حيضي خمسة في العشرة الأول من الشّهر‏,‏ لا أعلم ابتداءها‏,‏ وأعلم أنّي في اليوم الأوّل طاهر‏,‏ فالسّادس حيض بيقين‏,‏ والأوّل طهر بيقين كالعشرين الأخيرين‏,‏ والثّاني إلى آخر الخامس محتمل للحيض والطهر‏,‏ والسّابع إلى آخر العاشر محتمل لهما وللانقطاع‏.‏

قال النّووي‏:‏ قال أصحابنا‏:‏ الحافظة لقدر حيضها إنّما ينفعها حفظها‏,‏ وتخرج عن التّحير المطلق إذا حفظت مع ذلك قدر الدّور وابتداءه‏,‏ فإن فقدت ذلك بأن قالت‏:‏ كان حيضي خمسة عشر أضللتها في دوري‏,‏ ولا أعرف سوى ذلك‏,‏ فلا فائدة فيما ذكرت لاحتمال الحيض والطهر والانقطاع في كلّ وقتٍ‏,‏ وكذا لو قالت‏:‏ حيضي خمسة عشر‏,‏ وابتداء دوري يوم كذا ولا أعرف قدره‏,‏ فلا فائدة فيما حفظت للاحتمال المذكور‏,‏ ولها في هذين المثالين حكم المتحيّرة في كلّ شيءٍ‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ النّاسية للعدد فقط تجلس غالب الحيض إن اتّسع شهرها له‏,‏ وشهر المرأة هو الزّمن الّذي يجتمع لها فيه حيض وطهر صحيحان‏,‏ وأقل ذلك أربعة عشر يوماً بلياليها‏,‏ يوماً بليلة للحيض - لأنّه أقله - وثلاثة عشر يوماً بلياليها للطهر - لأنّه أقله - ولا حدّ لأكثر شهر المرأة‏,‏ لأنّه لا حدّ لأكثر الطهر بين الحيضتين‏,‏ لحديث حمنة بنت جحشٍ رضي الله عنها قالت‏:‏ «يا رسول اللّه إنّي أستحاض حيضةً شديدةً كبيرةً‏,‏ قد منعتني الصّوم والصّلاة‏,‏ فقال‏:‏ تحيّضي ستّة أيّامٍ أو سبعة أيّامٍ في علم اللّه ثمّ اغتسلي»‏.‏

وحمنة امرأة كبيرة - قاله أحمد - ولم يسألها عن تمييزها ولا عادتها فلم يبق إلا أن تكون ناسيةً فترد إلى غالب الحيض إناطةً للحكم بالأكثر‏,‏ كما ترد المعتادة لعادتها‏.‏

وإن لم يتّسع شهرها لغالب الحيض جلست الفاضل من شهرها بعد أقلّ الطهر‏,‏ كأن يكون شهرها ثمانية عشر يوماً‏,‏ فإنّها تجلس الزّائد عن أقلّ الطهر بين الحيضتين فقط - وهو خمسة أيّامٍ - لئلا ينقص الطهر عن أقلّه فيخرج عن كونه طهراً‏,‏ حيث إنّ الباقي من الثّمانية عشر بعد الثّلاثة عشر - وهو أقل الطهر عند الحنابلة - خمسة أيّام فتجلسها فقط‏,‏ وإن جهلت شهرها جلست غالب الحيض من كلّ شهرٍ هلاليٍّ‏.‏

بـ _ النّاسية للمكان فقط ‏"‏ الإضلال بالمكان ‏"‏‏:‏

8 - سبق بيان مذهب الشّافعيّة في النّاسية للمكان فقط في الإضلال بالعدد‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ المرأة إن علمت أيّام حيضها ونسيت موضعها‏:‏ بأن لم تدر أكانت تحيض في أوّل الشّهر أو وسطه أو آخره‏,‏ فإنّها تجلس أيّام حيضها من أوّل كلّ شهر هلاليٍّ‏,‏ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حيضة حمنة من أول الشهر والصلاة في بقيته‏,‏ ولأن دم الحيض جبلة‏,‏ والاستحاضة عارضة‏,‏ فإذا رأته وجب تقديم دم الحيض‏.‏ وإن علمت المستحاضة عدد أيامها في وقت من الشهر ونسيت موضعها‏,‏ بأن لم تدر أهي في أوله أم آخره‏,‏ فإنها لا تخلو‏:‏ إما أن تكون أيامها نصف الوقت الذي علمت أن حيضها فيه أو أقل‏,‏ أو أكثر‏,‏ فإن كانت أيامها نصف الوقت الذي علمت أن حيضها فيه فأقل فحيضها من أولها‏,‏ كأن تعلم أن حيضها كان في النصف الثاني من الشهر‏,‏ فإنها تجلس من أوله‏,‏ وعلى هذا الأكثر‏,‏ وهناك وجه أنها تتحرى‏,‏ وليس لها حيض بيقين بل حيضها مشكوك فيه‏,‏ وإن زادت أيامها على النصف‏,‏ مثل أن تعلم أن حيضها ستة أيام من العشر الأول‏,‏ من الشهر ضم الزائد إلى النصف - وهو في المثال يوم - إلى مثله مما قبله - وهو يوم - فيكونان حيضاً بيقين‏,‏ وهما اليوم الخامس والسادس في هذا المثال ثم يبقى لها أربعة أيام تتمة عادتها‏,‏ فإن جلستها من الأول على قول الأكثر كان حيضها من أول العشرة إلى آخر السادس‏,‏ منها يومان هما الخامس والسادس حيض بيقين‏.‏

والأربعة حيض مشكوك فيه‏,‏ والأربعة الباقية طهر مشكوك فيه‏,‏ وإن جلست بالتحري على الوجه المقابل لقول الأكثر فأداها اجتهادها إلى أنها من أول العشرة فهي كالتي ذكرنا‏,‏ وإن جلست الأربعة من آخر العشرة كانت الأربعة حيضا مشكوكاً فيه‏,‏ واليومان قبلها حيض بيقين‏,‏ والأربعة الأول طهر مشكوك فيه‏,‏ وإن قالت‏:‏ حيضتي سبعة أيام من العشرة‏,‏ فقد زادت أيامها يومين على نصف الوقت فتضمهما إلى يومين قبلهما فيصير لها أربعة أيام حيضاً بيقين‏,‏ من أول الرابع إلى آخر السابع‏,‏ ويبقى لها ثلاثة أيام تجلسها من أول العشرة أو بالتحري على الوجهين‏,‏ وهي حيض مشكوك فيه كما تقدم‏.‏

والناسية للمكان فقط عند الحنفية لا تخلو‏:‏ إما أن تضل أيامها في ضعفها أو أكثر‏,‏ أو في أقل من ضعفها‏,‏ فإن أضلت أيامها في ضعفها أو أكثر فلا تيقن في يوم منها بحيض‏,‏ كما إذا كانت أيامها ثلاثة فأضلتها في ستة أو أكثر‏,‏ وإن أضلت أيامها في أقل من الضعف فإنها تيقن بالحيض في يوم أو أيام‏,‏ كما إذا أضلت ثلاثة في خمسة فإنها تيقن بالحيض في اليوم الثالث من الخمسة‏,‏ فإنه أول الحيض أو آخره أو وسطه بيقين فتترك الصلاة فيه‏.‏

ويتفرع على ذلك‏:‏ أنها إن علمت أن أيامها ثلاثة فأضلتها في العشرة الأخيرة من الشهر‏,‏ فإنها تصلي من أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة ثلاثة أيام‏,‏ للتردد فيها بين الحيض والطهر‏,‏ ثم تصلي بعدها إلى آخر الشهر بالاغتسال لوقت كل صلاة للتردد فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض‏,‏ إلا إذا تذكرت وقت خروجها من الحيض فتغتسل في كل يوم في ذلك الوقت مرة‏,‏ كأن تذكرت أنها كانت تطهر في وقت العصر مثلا ولا تدري من أي يوم‏,‏ فتصلي الصبح والظهر بالوضوء للتردد بين الحيض والطهر‏,‏ ثم تصلي العصر بالغسل للتردد بين الحيض والخروج منه‏,‏ ثم تصلي المغرب والعشاء والوتر بالوضوء للتردد بين الحيض والطهر‏,‏ ثم تفعل هكذا في كل يوم مما بعد الثلاثة‏.‏

وإن أضلت أربعة في عشرة فإنها تصلي أربعة من أول العشرة بالوضوء‏,‏ ثم بالاغتسال إلى آخر العشرة‏,‏ وكذلك الخمسة إن أضلتها في ضعفها فتصلي خمسة من أول العشرة بالوضوء والباقي بالغسل‏.‏

وما سبق من الأمثلة في إضلال العدد في الضعف أو أكثر‏,‏ وأمثلة إضلال العدد في أقل من ضعفه فكما لو أضلت ستة في عشرة‏,‏ فإنها تتيقن بالحيض في الخامس والسادس‏,‏ فتدع الصلاة فيهما‏,‏ لأنهما آخر الحيض أو أوله أو وسطه‏,‏ وتفعل في الباقي مثل ما تفعل في إضلال العدد في الضعف أو أكثر‏,‏ فتصلي أربعة من أول العشرة بالوضوء‏,‏ ثم أربعة من آخرها بالغسل لتوهم خروجها من الحيض في كل ساعة منها‏,‏ وإن أضلت سبعة في العشرة فإنها تتيقن في أربعة بعد الثلاثة الأول بالحيض‏,‏ فتصلي ثلاثة من أول العشرة بالوضوء‏,‏ ثم تترك أربعة‏,‏ ثم تصلي ثلاثة بالغسل‏,‏ وفي إضلال الثمانية في العشرة تتيقن بالحيض في ستة بعد اليومين الأولين‏,‏ فتدع الصلاة فيها‏,‏ وتصلي يومين قبلها بالوضوء‏,‏ ويومين بعدها بالغسل‏,‏ وفي إضلال التسعة في عشرة تتيقن بثمانية بعد الأول أنها حيض‏,‏ فتصلي أول العشرة بالوضوء وتترك ثمانية‏,‏ وتصلي آخر العشرة بالغسل‏,‏ ولا يتصور إضلال العشرة في مثلها‏.‏

الإضلال العام‏:‏

النّاسية للعدد والمكان‏:‏

9 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ النّاسية للعدد والمكان عليها الأخذ وجوباً بالأحوط في الأحكام‏,‏ لاحتمال كلّ زمانٍ يمر عليها للحيض والطهر والانقطاع‏,‏ ولا يمكن جعلها حائضاً دائماً لقيام الإجماع على بطلانه‏,‏ ولا طاهراً دائماً لقيام الدّم‏,‏ ولا التّبعيض لأنّه تحكم‏,‏ فتعيّن الاحتياط للضّرورة لا لقصد التّشديد عليها‏.‏ وستأتي كيفيّة الاحتياط في الأحكام بالتّفصيل‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ النّاسية للعدد والمكان تجلس غالب الحيض من أوّل كلّ شهرٍ هلاليٍّ‏,‏ فإن عرفت ابتداء الدّم بأن علمت أنّ الدّم كان يأتيها في أوّل العشرة الأوسط من الشّهر‏,‏ وأوّل النّصف الأخير منه ونحوه‏,‏ فهو أوّل دورها فتجلس منه سواء كانت ناسيةً للعدد فقط‏,‏ أو للعدد والموضع وقد صرّح الحنابلة بأنّ ما تجلسه النّاسية للعدد‏,‏ أو الموضع أو هما من حيضٍ مشكوكٍ فيه كحيض يقيناً فيما يوجبه ويمنعه‏,‏ وكذا الطهر مع الشّكّ فيه كطهر يقيناً‏,‏ وما زاد على ما تجلسه إلى أكثر الحيض كطهر متيقّنٍ‏.‏

وغير زمن الحيض وما زاد عليه إلى أكثر الحيض استحاضة‏.‏

وإذا ذكرت المستحاضة النّاسية لعادتها رجعت إليها وقضت الواجب زمن العادة المنسيّة‏,‏ وقضت الواجب أيضاً زمن جلوسها في غيرها‏.‏

كيفيّة الاحتياط في الأحكام عند من يقول به

أ - الاحتياط في الطّهارة والصّلاة‏:‏

10 - نصّ الحنفيّة والشّافعيّة على أنّ المتحيّرة تصلّي الفرائض أبداً وجوباً لاحتمال طهرها‏,‏ ولها فعل النّفل مطلقاً‏:‏ صلاته وطوافه وصيامه في الأصحّ عند الشّافعيّة‏,‏ قالوا‏:‏ لأنّه من مهمّات الدّين فلا وجه لحرمانها منه وكذا لها فعل الواجب والسنن المؤكّدة عند الحنفيّة‏,‏ قال ابن عابدين‏:‏ وإنّما لا تترك السنن المؤكّدة ومثلها الواجب بالأولى لكونها شرعت جبراً لنقصان تمكّن في الفرائض‏,‏ فيكون حكمها حكم الفرائض‏.‏

ومذهب الشّافعيّة أنّها تغتسل وجوباً لكلّ فرضٍ إن جهلت وقت انقطاع الدّم ولم يكن دمها متقطّعاً‏,‏ ويكون الغسل بعد دخول الوقت لاحتمال الانقطاع حينئذٍ‏,‏ وإنّما تفعله بعد دخول وقته لأنّها طهارة ضروريّة كالتّيمم‏,‏ فإن علمت وقت الانقطاع كعند الغروب لم يلزمها الغسل في كلّ يومٍ وليلةٍ إلا عقب الغروب‏,‏ وذات التّقطع لا يلزمها الغسل زمن النّقاء لأنّ الغسل سببه الانقطاع والدّم منقطع‏,‏ ولا يلزمها المبادرة للصّلاة إذا اغتسلت على الأصحّ لكن لو أخّرت لزمها الوضوء‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّها تتوضّأ لكلّ صلاةٍ كلّما تردّدت بين الطهر ودخول الحيض‏,‏ وتغتسل لكلّ صلاةٍ إن تردّدت بين الطهر والخروج من الحيض‏,‏ ففي الأوّل يكون طهرها بالوضوء‏,‏ وفي الثّاني بالغسل‏.‏

مثال ذلك‏:‏ امرأة تذكر أنّ حيضها في كلّ شهرٍ مرّة‏,‏ وانقطاعه في النّصف الأخير‏,‏ ولا تذكر غير هذين‏,‏ فإنّها في النّصف الأوّل تتردّد بين الدخول والطهر فيكون طهرها بالوضوء‏,‏ وفي النّصف الأخير تتردّد بين الطهر والخروج فيكون طهرها بالغسل‏,‏ وأمّا إذا لم تذكر شيئاً أصلاً فهي متردّدة في كلّ زمنٍ بين الطهر والدخول فحكمها حكم التّردد بين الطهر والخروج بلا فرقٍ‏,‏ ثمّ إنّها إذا اغتسلت في وقت صلاةٍ وصلّت‏,‏ ثمّ اغتسلت في وقت الأخرى أعادت الأولى قبل الوقتيّة‏,‏ وهكذا تصنع في وقت كلّ صلاةٍ احتياطاً‏,‏ لاحتمال حيضها في وقت الأولى وطهرها قبل خروجه‏,‏ فيلزمها القضاء احتياطاً‏,‏ وهذا قول أبي سهلٍ واختاره البركوي‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ المبتدأة الّتي استمرّ بها الدّم إن كانت استوفت تمام حيضها بنصف شهرٍ أو بالاستظهار فذلك الدّم استحاضة وإلا ضمّته للأوّل حتّى يحصل تمامه بالخمسة عشر يوماً أو بالاستظهار‏,‏ وما زاد فاستحاضة‏.‏

وأمّا المعتادة الّتي استمرّ بها الدّم فإنّها تزيد ثلاثة أيّامٍ على أكثر عادتها استظهاراً‏,‏ ومحل الاستظهار بالثّلاثة ما لم تجاوز نصف الشّهر‏,‏ ثمّ بعد أن مكثت المبتدأة نصف شهرٍ‏,‏ وبعد أن استظهرت المعتادة بثلاثة أو بما يكمل نصف شهرٍ‏,‏ تصير إن تمادى بها الدّم مستحاضةً‏,‏ ويسمّى الدّم النّازل بها دم استحاضةٍ ودم علّةٍ وفسادٍ‏,‏ وهي في الحقيقة طاهر تصوم وتصلّي وتوطأ‏.‏

وإذا ميّزت المستحاضة الدّم بتغير رائحةٍ أو لونٍ أو رقّةٍ أو ثخنٍ أو نحو ذلك بعد تمام طهرٍ فذلك الدّم المميّز حيض لا استحاضة‏,‏ فإن استمرّ بصفة التّميز استظهرت بثلاثة أيّامٍ ما لم تجاوز نصف شهرٍ‏,‏ ثمّ هي مستحاضة‏,‏ وإلا - بأن لم يدم بصفة التّميز بأن رجع لأصله - مكثت عادتها فقط ولا استظهار‏.‏

ب - الاحتياط في صوم رمضان وقضائه‏:‏

11 - اتّفق الحنفيّة والشّافعيّة في المشهور عندهم على أنّ المتحيّرة تصوم رمضان كاملاً وجوباً‏,‏ لاحتمال طهارتها في كلّ يومٍ‏.‏

وقد أجاز الشّافعيّة لها صيام التّطوع خلافاً للحنفيّة حيث منعوها منه‏.‏

واختلفوا في كيفيّة قضاء رمضان بناءً على اختلافهم في أكثر الحيض‏:‏

فذهب الشّافعيّة إلى أنّها تصوم بعد رمضان شهراً آخر كاملاً ثلاثين يوماً متواليةً‏,‏ فيحصل لها من كلٍّ منهما أربعة عشر يوماً‏,‏ وهذا إذا كان رمضان كاملاً‏,‏ فإن كان ناقصاً فإنّه يحصل لها منه ثلاثة عشر يوماً فيبقى لها يومان سواء كان رمضان كاملاً أو ناقصاً‏,‏ وذلك إن لم تعتد الانقطاع ليلاً كأن اعتادته نهاراً‏,‏ أو شكّت لاحتمال أن تحيض فيهما أكثر الحيض‏,‏ ويطرأ الدّم في يومٍ وينقطع في يومٍ آخر‏,‏ فيفسد ستّة عشر يوماً من كلٍّ من الشّهرين‏,‏ بخلاف ما إذا اعتادت الانقطاع ليلاً فإنّه لا يبقى عليها شيء‏.‏

وإذا بقي عليها يومان فأكثر أو أقل فلها في قضائه طريقان‏:‏

إحداهما‏:‏ طريقة الجمهور‏:‏ وتجرى في أربعة عشر يوماً فما دونها‏,‏ وذلك أن تضعّف ما عليها وتزيد عليه يومين‏,‏ وتقسم الجميع نصفين فتصوم نصفه في أوّل الشّهر‏,‏ ونصفه في أوّل النّصف الآخر‏,‏ والمقصود بالشّهر هنا ثلاثون يوماً متى شاءت ابتدأت‏,‏ وعلى هذا إذا أرادت صوم يومين فإنّها تصوم من ثمانية عشر يوماً ثلاثةً أوّلها وثلاثةً من آخرها فيحصل اليومان لأنّ غاية ما يفسده الحيض ستّة عشر يوماً فيحصل لها يومان على كلّ تقديرٍ‏,‏ لأنّ الحيض إن طرأ في أثناء اليوم الأوّل من صومها انقطع في أثناء السّادس عشر فيحصل اليومان بعده‏,‏ أو في اليوم الثّاني انقطع في السّابع عشر فيحصل الأوّل والأخير أو في اليوم الثّالث فيحصل اليومان الأوّلان‏,‏ أو في اليوم السّادس عشر انقطع اليوم الأوّل فيحصل لها الثّاني والثّالث‏,‏ أو في السّابع عشر انقطع في الثّاني فيحصل لها السّادس عشر والثّالث‏,‏ أو في الثّامن عشر انقطع في الثّالث فيحصل لها السّادس عشر والسّابع عشر‏.‏

والطّريقة الثّانية‏:‏ طريقة الدّارميّ، واستحسنها النّووي في المجموع‏,‏ وتجرى في سبعة أيّامٍ فما دونها‏,‏ أن تصوم بقدر ما عليها بزيادة يومٍ متفرّقٍ بأيّ وجهٍ شاءت في خمسة عشر‏,‏ ثمّ تعيد الصّوم كلّ يومٍ غير الزّيادة يوم سابع عشر‏,‏ ولها تأخيره إلى خامس عشر ثانيةً‏,‏ فيمكن قضاء يومٍ بصوم يومٍ‏,‏ ثمّ الثّالث من الأوّل‏,‏ والسّابع عشر منه‏,‏ لأنّها قد صامت بقدر ما عليها أوّلاً بزيادة يومٍ متفرّقاً في خمسة عشر يوماً‏,‏ وبقدر ما عليها في سابع عشر فيقع لها في يومٍ من الأيّام الثّلاث في الطهر على كلّ تقديرٍ‏.‏

وهذا في غير الصّوم المتتابع‏,‏ أمّا المتتابع بنذر أو غيره‏:‏ فإن كان سبعةً فما دونها صامته ولاءً تصوم ثلاث مرّاتٍ‏,‏ الثّالثة منها في سابع عشر شروعها في الصّوم بشرط أن تفرّق بين كلّ مرّتين من الثّلاث بيوم فأكثر حيث يتأتّى الأكثر‏,‏ وذلك فيما دون السّبع فلقضاء يومين ولاءً تصوم يوماً وثانيه‏,‏ ولسابع عشرة وثامن عشرة ويومين بينهما ولاءً غير متّصلين بشيء من الصّومين فتبرأ‏,‏ لأنّ الحيض إن فقد في الأوّلين صحّ صومهما‏,‏ وإن وجد فيهما صحّ الأخيران إذ لم يفد فيهما‏,‏ وإلا فالمتوسطان‏,‏ وإن وجد في الأوّل دون الثّاني صحّا - أيضاً - أو بالعكس‏.‏

فإن انقطع قبل السّابع عشر صحّ مع ما بعده‏,‏ وإن انقطع فيه صحّ الأوّل والثّامن عشر‏,‏ وتخلل الحيض لا يقطع الولاء‏,‏ وإن كان الصّوم الّذي تخلّله قدراً يسع وقت الطهر لضرورة تحير المستحاضة‏,‏ فإن كان المتتابع أربعة عشر فما دونها صامت له ستّة عشر ولاءً‏,‏ ثمّ تصوم قدر المتتابع أيضاً ولاءً بين أفراده وبينها وبين السّتّة عشر‏,‏ فلقضاء ثمانيةٍ متتابعةٍ تصوم أربعةً وعشرين ولاءً فتبرأ إذ الغاية بطلان ستّة عشر‏,‏ فيبقى لها ثمانية من الأوّل أو من الآخر أو منهما أو من الوسط‏,‏ ولقضاء أربعة عشر تصوم ثلاثين‏,‏ وإن كان ما عليها شهران متتابعان صامت مائةً وأربعين يوماً ولاءً فتبرأ‏,‏ إذ يحصل من كلّ ثلاثين أربعة عشر يوماً فيحصل من مائةٍ وعشرين ستّة وخمسون‏,‏ ومن عشرين الأربعة الباقية‏.‏

وإنّما وجب الولاء لأنّها لو فرّقت احتمل وقوع الفطر في الطهر فيقطع الولاء‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ المتحيّرة لا تفطر في رمضان أصلاً‏,‏ لاحتمال طهارتها كلّ يومٍ ثمّ إنّ لها حالاتٍ‏,‏ لأنّها إمّا أن تعلم أنّ حيضها في كلّ شهرٍ مرّةً أو لا‏,‏ وعلى كلٍّ إمّا أن تعلم أنّ ابتداء حيضها باللّيل أو بالنّهار‏,‏ أو لا تعلم‏,‏ وعلى كلٍّ إمّا أن يكون الشّهر كاملاً أو ناقصاً‏,‏ وعلى كلٍّ إمّا أن تقضي موصولاً أو مفصولاً‏.‏

فإن لم تعلم أنّ دورتها في كلّ شهرٍ مرّة وأنّ ابتداء حيضها باللّيل أو النّهار‏,‏ أو علمت أنّه بالنّهار وكان شهر رمضان ثلاثين يجب عليها قضاء اثنين وثلاثين إن قضت موصولاً برمضان‏,‏ وثمانيةٍ وثلاثين إن قضت مفصولاً‏,‏ لأنّها إذا علمت أنّ ابتداءه بالنّهار يكون تمام حيضها في الحادي عشر وإذا لم تعلم أنّه باللّيل أو النّهار يحمل على أنّه بالنّهار أيضاً لأنّه الأحوط‏,‏ وحينئذٍ فأكثر ما فسد من صومها في الشّهر ستّة عشر، إمّا أحد عشر من أوّله وخمسة من آخره أو بالعكس‏,‏ فعليها قضاء ضعفها وذلك على احتمال أن تحيض في رمضان مرّتين‏,‏ وأمّا على احتمال أن تحيض مرّةً واحدةً فإنّه يقع لها فيه طهر كامل وبعض طهرٍ‏,‏ وذلك بأن تحيض في أثناء الشّهر‏,‏ وحينئذٍ فيصح لها صوم أكثر من أربعة عشر فتعامل بالأضرّ احتياطاً فتقضي ستّة عشر‏,‏ لكن لا تتيقّن بصحّتها كلّها إلا بقضاء اثنين وثلاثين‏,‏ والمراد بالموصول أن تبتدئ من ثاني شوّالٍ لأنّ صوم يوم العيد لا يجوز‏,‏ وبيان ذلك أنّه إذا كان رمضان ابتداء حيضها‏,‏ فيوم الفطر هو السّادس من حيضها الثّاني فلا تصومه‏,‏ ثمّ لا يجزيها صوم خمسةٍ بقيّة حيضها ثمّ يجزيها في أربعة عشر‏,‏ ثمّ لا يجزيها في أحد عشر‏,‏ ثمّ يجزيها في يومين‏,‏ وجملة ذلك اثنان وثلاثون‏,‏ وإنّما كان قضاء ثمانيةٍ وثلاثين في المفصول لاحتمال أنّ ابتداء القضاء وافق أوّل يومٍ من حيضها فلا يجزيها الصّوم في أحد عشر‏,‏ ثمّ يجزي في أربعة عشر‏,‏ ثمّ لا يجزي في أحد عشر‏,‏ ثمّ يجزي في يومين‏,‏ فالجملة ثمانية وثلاثون يجب عليها صومها لتتيقّن بجواز ستّة عشر منها‏.‏

قال ابن عابدين في شرح رسالة البركويّ‏:‏ إنّه لا يلزم قضاء ثمانيةٍ وثلاثين إلا إذا فرضنا فساد ستّة عشر من رمضان مع فرض مصادفة أوّل القضاء لأوّل الحيض حتّى لو لم يمكن اجتماع الفرضين لا يلزم قضاء ثمانيةٍ وثلاثين بل أقل‏,‏ وكأنّهم أرادوا طرد بعض الفصل بالتّسوية تيسيراً على المفتي والمستفتي بإسقاط مؤنة الحساب‏,‏ فمتى قاست مؤنته فلها العمل بالحقيقة‏.‏

وإن كانت المسألة السّابقة بحالها وكان شهر رمضان تسعةً وعشرين فإنّها تقضي في الوصل اثنين وثلاثين‏,‏ وفي الفصل سبعةً وثلاثين‏,‏ وإنّما تقضي في الوصل اثنين وثلاثين لأنّا تيقّنّا بجواز الصّوم في أربعة عشر وبفساده في خمسة عشر فيلزمها قضاء خمسة عشر‏,‏ ثمّ لا يجزيها الصّوم في سبعةٍ من أوّل شوّالٍ لأنّها بقيّة حيضها على تقدير حيضها بأحد عشر‏,‏ ثمّ يجزيها في أربعة عشر ولا يجزيها في أحد عشر ثمّ يجزيها في يومٍ‏.‏

وكان قضاؤها في الفصل سبعةً وثلاثين لجواز أن يوافق صومها ابتداء حيضها فلا يجزيها في أحد عشر ثمّ يجزيها في أربعة عشر ثمّ لا يجزيها في أحد عشر ثمّ يجزيها في يومٍ‏,‏ وقول ابن عابدين السّابق يجري هنا أيضاً‏.‏

وإن علمت أنّ ابتداء حيضها باللّيل وشهر رمضان ثلاثون فتقضي في الوصل والفصل خمسةً وعشرين‏,‏ وإن كان تسعةً وعشرين تقضي في الوصل عشرين وفي الفصل أربعةً وعشرين‏,‏ وإنّما كان قضاؤها خمسةً وعشرين في الوصل والفصل‏,‏ أمّا في الوصل فلاحتمال أنّ حيضها خمسةً من أوّل رمضان بقيّة الحيض‏,‏ ثمّ طهرها خمسة عشر‏,‏ ثمّ حيضها عشرة‏,‏ فالفاسد خمسة عشر‏,‏ فإذا قضتها موصولةً فيوم العيد أوّل طهرها ولا تصومه‏,‏ ثمّ يجزيها الصّوم في أربعة عشر ثمّ لا يجزي في عشرةٍ ثمّ يجزي في يومٍ والجملة خمسة وعشرون‏,‏ وإن فرض أنّ حيضها عشرة من أوّل رمضان وخمسة من آخره تصوم أربعةً من أوّل شوّالٍ بعد يوم الفطر لا تجزيها لأنّها بقيّة حيضها‏,‏ ثمّ خمسة عشر تجزيها‏,‏ والجملة تسعة عشر‏,‏ والاحتمال الأوّل أحوط فيلزمها خمسة وعشرون‏,‏ وأمّا في الفصل فلاحتمال أنّ ابتداء القضاء وافق أوّل يومٍ من حيضها فلا يجزيها الصّوم في عشرةٍ ثمّ يجزي في خمسة عشر‏,‏ ثمّ إنّها تقضي في الوصل عشرين إن كان رمضان تسعةً وعشرين‏,‏ لأنّها يحتمل أن تحيض خمسةً من أوّل رمضان وتسعةً من آخره‏,‏ أو عشرةً من أوّله وأربعةً من آخره‏,‏ فالفاسد فيهما أربعة عشر ويحتمل أن تحيض في أثنائه كأن حاضت ليلة السّادس وطهرت ليلة السّادس عشر والفاسد فيه عشرة‏,‏ فعلى الأوّل يكون أوّل القضاء وهو ثاني شوّالٍ أوّل طهرها فتصوم أربعة عشر وتجزيها‏,‏ وعلى الثّاني يكون ثاني شوّالٍ سادس يومٍ من حيضها فتصوم خمسةً لا تجزيها‏,‏ ثمّ أربعة عشر فتجزيها‏,‏ والجملة تسعة عشر‏,‏ وعلى الثّالث يكون أوّل القضاء أوّل الحيض فتصوم عشرةً لا تجزي ثمّ عشرةً من الطهر فتجزيها عن العشرة الّتي عليها والجملة عشرون‏,‏ فعلى الأوّل يجزيها قضاء أربعة عشر‏,‏ وعلى الثّاني تسعة عشر‏,‏ وعلى الثّالث عشرين فتلزمها احتياطاً‏,‏ كما أنّها تقضي في الفصل أربعةً وعشرين لاحتمال أنّ الفاسد أربعة عشر وأنّ القضاء وافق أوّل يومٍ من حيضها فتصوم عشرةً لا تجزي ثمّ أربعة عشر تجزي والجملة أربعة وعشرون‏.‏

وإن علمت أنّ حيضها في كلّ شهرٍ مرّة وعلمت أنّ ابتداءه بالنّهار أو لم تعلم أنّه بالنّهار فإنّها تقضي اثنين وعشرين مطلقاً بالوصل والفصل‏,‏ لأنّه إذا كان بالنّهار يفسد من صومها أحد عشر‏,‏ فإذا قضت مطلقاً احتمل أن يوافق أوّل القضاء أوّل الحيض فتصوم أحد عشر لا تجزئ ثمّ أحد عشر تجزئ‏,‏ والجملة اثنان وعشرون تخرج بها عن العهدة بيقين‏.‏

وإن علمت أنّ ابتداءه باللّيل تقضي عشرين مطلقاً‏,‏ لأنّ الفاسد من صومها عشرة فتقضي ضعفها لاحتمال موافقة القضاء أو الحيض‏,‏ وصلت أو فصلت‏,‏ هذا كله إن لم تعلم المرأة عدد أيّامها في الحيض والطهر، أمّا إن علمت أنّ حيضها في كلّ شهرٍ تسعة وطهرها بقيّة الشّهر‏,‏ وعلمت أنّ ابتداءه باللّيل‏,‏ فإنّها تقضي ثمانية عشر مطلقاً وصلت أو فصلت‏,‏ وإن لم تعلم ابتداءه أو علمت أنّه بالنّهار فإنّها تقضي عشرين مطلقاً‏,‏ لأنّ أكثر ما فسد من صومها في الوجه الأوّل تسعة وفي الثّاني عشرة‏,‏ فتقضي ضعف ذلك‏,‏ لاحتمال اعتراض الحيض في أوّل يومٍ من القضاء‏.‏

وإن علمت أنّ حيضها ثلاثة أيّامٍ ونسيت طهرها فإنّه يحمل طهرها على الأقلّ خمسة عشر يوماً‏,‏ ثمّ إن كان رمضان تاماً وعلمت ابتداء حيضها باللّيل فإنّها تقضي تسعةً مطلقاً‏,‏ وصلت أو فصلت‏,‏ لأنّه يحتمل أنّها حاضت في أوّل رمضان ثلاثةً ثمّ طهرت خمسة عشر‏,‏ ثمّ حاضت ثلاثةً ثمّ طهرت خمسة عشر‏,‏ فقد فسد من صومها ستّة‏,‏ فإذا وصلت القضاء جاز لها بعد الفطر خمسة ثمّ تحيض ثلاثةً فتفسد‏,‏ ثمّ تصوم يوماً فتصير تسعةً‏,‏ وإذا فصلت احتمل اعتراض الحيض في أوّل يوم القضاء‏,‏ فيفسد صومها في ثلاثةٍ ثمّ يجوز في ستّةٍ فتصير تسعةً‏,‏ وأمّا إذا كان رمضان ناقصاً فإذا وصلت جاز لها بعد الفطر ستّة تكفيها‏,‏ وأمّا إذا فصلت فتقضي تسعةً كما في التّمام‏.‏

وإن لم تعلم ابتداءه‏,‏ أو علمت أنّه بالنّهار فإنّها تقضي اثني عشر مطلقاً‏,‏ لأنّه يحتمل أنّها حاضت في أوّل رمضان فيفسد صومها في أربعةٍ ثمّ يجوز في أربعة عشر ثمّ يفسد في أربعةٍ فقد فسد ثمانيةً‏,‏ فإذا قضت موصولاً جاز بعد يوم الفطر خمسة تكملة طهرها الثّاني‏,‏ ثمّ يفسد أربعة ثمّ يجوز ثلاثة تمام الاثني عشر‏,‏ وإذا فصلت احتمل عروض الحيض في أوّل القضاء‏,‏ فيفسد في أربعةٍ ثمّ يجوز في ثمانيةٍ والجملة اثنا عشر‏,‏ وأمّا إذا كان رمضان ناقصاً فإذا وصلت جاز بعد يوم الفطر ستّة تكملة طهرها الثّاني‏,‏ ثمّ يفسد أربعة‏,‏ ثمّ يجوز يومان تمام الاثني عشر وإذا فصلت احتمل عروض الحيض في أوّل القضاء فيفسد في أربعةٍ ثمّ يجوز في ثمانيةٍ فالجملة اثنا عشر‏.‏

وأمّا مذهب المالكيّة في الموضوع فقد سبق تفصيله عند الكلام عن الاحتياط في الطّهارة والصّلاة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ النّاسية لوقتها وعددها تجلس في كلّ شهرٍ ستّة أيّامٍ أو سبعةً يكون ذلك حيضها ثمّ تغتسل وهي فيما بعد ذلك مستحاضة تصوم وتصلّي وتطوف‏,‏

وعن أحمد أنّها تجلس أقلّ الحيض‏.‏

ثمّ إنّ كانت تعرف شهرها وهو مخالف للشّهر المعروف جلست ذلك من شهرها‏,‏ وإن لم تعرف شهرها جلست من الشّهر المعروف لأنّه الغالب‏.‏

ج - الاحتياط في قراءة القرآن ومسّ المصحف‏:‏

12 - اتّفق الحنفيّة والشّافعيّة في المشهور إلى أنّ المتحيّرة يحرم عليها قراءة القرآن في غير الصّلاة لاحتمال الحيض‏,‏ وأمّا في الصّلاة فأجاز الشّافعيّة لها أن تقرأ القرآن مطلقاً فاتحةً أو غيرها‏.‏

ومذهب الحنفيّة على الصّحيح أنّها تقرأ الفاتحة وسورةً قصيرةً في كلّ ركعةٍ من الفرائض والسنن إلا الأخيرة أو الأخيرتين من الفرض‏,‏ فلا تقرأ في شيءٍ من ذلك السورة بل تقرأ الفاتحة فقط لوجوبها‏,‏ كما صرّحوا بجواز قراءتها للقنوت‏,‏ قال ابن عابدين‏:‏ وهو ظاهر المذهب وعليه الفتوى للإجماع القطعيّ على أنّه ليس بقرآن‏,‏ وكذا تقرأ سائر الدّعوات والأذكار‏.‏

ومقابل المشهور عند الشّافعيّة أنّها تباح لها القراءة مطلقاً خوف النّسيان بخلاف الجنب لقصر زمن الجنابة‏.‏

وقيل‏:‏ تحرم الزّيادة على الفاتحة في الصّلاة كالجنب الفاقد للطّهورين‏.‏

كما اتّفق الحنفيّة والشّافعيّة في المشهور إلى حرمة مسّها للمصحف‏,‏ وزاد الشّافعيّة حمله بطريق الأولى‏.‏

وقال ابن جزيٍّ من المالكيّة‏:‏ لا تمنع الاستحاضة شيئاً ممّا يمنع منه الحيض‏.‏

د - الاحتياط في دخول المسجد والطّواف‏:‏

13 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ المتحيّرة لا يجوز لها أن تدخل المسجد‏.‏

وأجاز الشّافعيّة لها أن تدخل المسجد وتصلّي فيه لكن يحرم عليها أن تمكث فيه‏,‏ قال في المهمّات‏:‏ وهو متّجه إن كان لغرض دنيويٍّ أو لا لغرض‏,‏ ومحل ذلك إن أمنت التّلويث‏.‏ وأمّا الطّواف فذهب الحنفيّة إلى أنّها لا تطوف إلا للزّيارة والوداع‏,‏ أمّا الزّيارة فلأنّه ركن الحجّ فلا يترك لاحتمال الحيض‏,‏ وأمّا الوداع فلأنّه واجب على غير المكّيّ‏,‏ ثمّ إنّها تعيد طواف الزّيارة دون الوداع بعد عشرة أيّامٍ ليقع أحدهما في طهرٍ بيقين‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ لها أن تطوف مطلقاً فرضاً أو نفلاً وكيفيّة طوافها أن تفعله ثلاث مرّاتٍ بشرط الإمهال كما في الصّوم‏,‏ فإذا أرادت طوافاً واحداً أو عدداً اغتسلت وطافت ثلاث مرّاتٍ وصلّت ركعتين ثمّ تمهل قدراً يسع مثل طوافها وغسله وركعتيه ثمّ تفعل ذلك ثانيةً‏,‏ ثمّ تمهل حتّى يمضي تمام خمسة عشر يوماً من أوّل اشتغالها بغسل الطّواف الأوّل‏,‏ وتمهل بعد الخمسة عشر لحظة تسع الغسل والطّواف وركعتيه ويكون قدر الإمهال الأوّل‏,‏ ثمّ تغتسل وتطوف وتصلّي ركعتيه مرّةً ثالثةً‏,‏ والغسل واجب في كلّ مرّةٍ للطّواف‏.‏

وأمّا الرّكعتان فإن قلنا هما سنّة كفى لها غسل الطّواف وإن قلنا واجبتان فثلاثة أوجهٍ‏:‏ الصّحيح المشهور وبه قطع الجمهور‏:‏ يجب للصّلاة وضوء لا تجديد غسلٍ‏.‏

والثّاني‏:‏ لا يجب تجديد غسلٍ ولا وضوء لأنّها تابعة للطّواف كجزء منه وبهذا قطع المتولّي‏.‏

والثّالث‏:‏ يجب تجديد الغسل حكاه أبو عليٍّ السّنجي‏.‏

هـ - الاحتياط في الوطء والعدّة‏:‏

14 - اتّفق الحنفيّة والشّافعيّة على أنّه لا يجوز وطء المتحيّرة لاحتمال الحيض‏,‏ وعند الشّافعيّة قول ضعيف بأنّه يجوز ذلك‏,‏ لأنّ الاستحاضة علّة مزمنة والتّحريم دائماً موقع في الفساد‏.‏

وهذا هو مذهب الحنابلة‏,‏ إذ أنّهم يرون على المذهب أنّ المستحاضة لا يباح وطؤها حتّى ولو لم تكن متحيّرةً إلا أن يخاف الزّوج على نفسه‏,‏ لأنّ بها أذىً فيحرم وطؤها كالحائض‏,‏ فإنّ اللّه تعالى منع وطء الحائض معلّلاً بالأذى بقوله‏:‏ ‏{‏قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ‏}‏ أمر باعتزالهنّ عقيب الأذى مذكوراً بفاء التّعقيب‏,‏ ولأنّ الحكم إذا ذكر مع وصفٍ يقتضيه ويصلح له علّل به‏,‏ والأذى يصلح أن يكون علّةً فيعلّل به‏,‏ وهو موجود في المستحاضة فيثبت التّحريم في حقّها‏.‏